
سيدي رحال الشاطئ… العطش يُنبت “أسواقًا سوداء” للماء في وضح النهار
سيدي رحال الشاطئ –كازاكودانفو
في مشهد يلخص معاناة سكان مدينة سيدي رحال الشاطئ، تحوّلت العديد من الأزقة والأحياء إلى ما يشبه “الأسواق السوداء” لبيع الماء بالتقسيط، في ظل انقطاعات متكررة للماء الصالح للشرب، وغياب أي تدخل ملموس من الجهات المختصة، مما أفرز واقعًا مأساويًا بات يهدد صحة وسلامة المواطنين.
بأثمنة تصل إلى درهم للتر الواحد، يعرض باعة جائلون ماءً مجهول المصدر في قنينات بلاستيكية مستعملة، وسط غياب تام لأي شروط صحية أو رقابة. ويتم نقل هذه المياه في صهاريج متنقلة، لا يُعرف ما إذا كانت مستوفية لأدنى شروط السلامة، ليتم تسويقها مباشرة للسكان، الذين لا يملكون خيارًا آخر أمام العطش والحرارة المرتفعة.
“نشتري ونحن غير مقتنعين، لكن لا بديل”، تقول إحدى السيدات وهي تملأ قنينة مهترئة من بائع يتوسط الزقاق.
الوضع لا يتوقف عند غياب الماء فقط، بل يتجاوزه إلى تجاهل غير مبرر من السلطات الصحية والإدارية. فلا وجود لتحاليل دورية للمياه المعروضة، ولا تدخل من مصالح الجماعة أو المكتب الوطني للماء لضبط هذه الفوضى. هذا الغياب الرسمي يزيد من استفحال الظاهرة ويمنح الغطاء الضمني لهؤلاء الباعة، الذين أصبحوا اليوم عنصراً ثابتاً في المشهد اليومي للمدينة.
أين يُجلب هذا الماء؟
هل هو صالح فعلاً للاستهلاك البشري؟
ولماذا يظل المسؤولون في موقع المتفرج؟
هي أسئلة تطرحها الساكنة بمرارة، وسط قلق حقيقي من انعكاسات صحية محتملة، خاصة على الأطفال وكبار السن، في غياب أدنى شروط التخزين والنقل السليم.
المفارقة الصادمة أن سيدي رحال، المدينة الساحلية المعروفة بجاذبيتها السياحية، باتت رمزاً للعطش والإقصاء التنموي. فرغم الإعلانات الرسمية عن مشاريع استراتيجية لتعزيز الأمن المائي بالمملكة، يعيش السكان يومياتهم في طوابير الماء، ويقضون لياليهم في ترقُّب عودة “الحنفية الجافة”.
في ظل هذا الوضع الكارثي، تطالب الساكنة بتدخل فوري وحازم يشمل:
فتح تحقيق لتحديد مصدر المياه المتداولة عشوائيًا،
إجراء تحاليل مخبرية عاجلة لتقييم صلاحيتها،
تفعيل المراقبة الصحية والإدارية بشكل صارم،
محاسبة كل من يُسهم في تعريض صحة المواطنين للخطر.
بين العطش والصمت… من يحمي المواطن؟
يبقى السؤال الأهم: هل تتحرك الجهات الوصية قبل وقوع ما لا يُحمد عقباه؟ أم أن تجارة العطش ستبقى تزدهر على حساب أبسط حقوق الإنسان في الحياة والكرامة؟