كيف يمكن للمدن و الجهات التونسية أن تنهض برؤساء وبلديات.

مجالس بلدية و جهوية بدون تصور لمشاريع تنموية و ترابية(مجالية) و بسلطات مركزية لا تحمل سياسة عمومية واضحة للمدينة و الجهات؟
خلال مشاركتي في اليوم العلمي الذي نظمه المركز العربي للبحوث و الدراسات السياسية بباريس، و الذي حمل عنوان “المدن في العالم العربي، أمكنة للتحول المجتمعي و السياسي”؛ صدمت بحجم أزمة القيادة و غياب الفكر الإستراتيجي الذي يعاني منه المجتمع السياسي العربي. فالمدينة (و الجهة أيضاً) بما هي فضاء معقد يلتقي فيه _ وفق بنية مجالية أساساً _ الإشكال الإقتصادي و السياسي و المجتمعي، تقع إدارته بلا رؤية واضحة المعالم ناهيك عن غياب البرمجة المجالية كمشروع شامل و إستراتيجي جملةً من فقه الإدارة السياسية بها. إذ أن أعمال هاته المجالس و الهيئات التابعة لا تنتج سوى سياسات سطحية، بل هي لا تعدوا أن تكون جملة من الإجراءت المتكررة و المتماهية بلا إبداع لحلول متلائمة مع الوضعيات الخصوصية والأهداف الإستراتيجية المنبثقة عن التوجهات الدولية التي صادقت عليها الدولة المركزية في إطار إتفاقيات التعاون و التي تمول المؤسسات المانحة بموجبها صناديق الوزارات المعنية بتخطيط و تصميم المجال و سياساته ،دون القدرة على تحويل جملة الدراسات و المشاريع إلى سياسة عمومية تسند و تكون نبراساً يتبعه و يتفاعل معه أصحاب القرار جهوياً و محلياً. الإشكال أضحي واضحاً بالنسبة لي بعد متابعة النتائج الأولية للدراسة التي قام بها الباحث الجاد بيار أرنو بارتال في عدة دول عربية و من ضمنها تونس، و من خلال تجربتي المتواضعة كمخطط مدن في تونس، فإن السؤال المفصلي يتمحور حول: إلى من تسند مهمات إدارة المجال المديني و الريفي و الجهوي في تونس. الإجابة في كلمات قصيرة: الساسة بلا ثقافة جغرافية و إقتصادية و إجتماعية و هيكلة الإدارة تمنع تقريباً التخطيط محلياً و جهوييا، إذ لا يوجد بالمدن التونسية إلا مؤسسة واحدة في العاصمة تعنى بتخطيط المدن و هي مدعوة إلى التطور و البلديات لا تحتوي على هياكل دائمة_ تسند مشاريع الساسة(إن وجدت) _ للبحث و التخطيط الحضري و المجالي يشرف عليها مختصون فعليون كما هو معمول به في الدول المتقدمة، ناهيك عن التخطيط الجهوي المغيب من مراكز القرار المعنية أي الولايات…أن يختصر تخطيط حياة المجتمع و مستقبله في مراجعات مسقطة _ مرة في العشر سنوات و أكثر_ لوثائق التهيئة الترابية و الحضرية دون متابعة دائمة و موضعية و تصور سياسات مجالية تستشرف المستقبل و مفعلة على أرض الواقع لن يجعل منا أمة تحترم ارضها و مستقبل اجيالها.
محمد علي الرقوبي، مخطط مدن و الرئيس المساعد لجمعية مخططي المدن الشباب التونسيون.
الناطق الرسمي باسم الجامعة الوطنية لمخططي المدن التونسيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *