
رأس العين… حين يُمتطى صَهو الفرس لركوب ميزانية الجماعة
رأس العين، سطات – في زاوية منسية من خريطة التنمية، وعلى هامش انتظارات المواطن، تحوّلت جماعة رأس العين إلى مسرح عبثي تُطلق فيه البارود باسم التراث، ويُهدر فيه المال العام تحت راية “التبوريدة”، لا احتفاءً بالثقافة بل تسويقاً لزعامة انتخابية متنازعة.
في هذه الجماعة القروية التي تختنق بهشاشة البنية التحتية وندرة الخدمات الأساسية، باتت التبوريدة أداة صراع لا احتفال. رئيس الجماعة، كما المعارضون، يتناوبون على تنظيم مواسم باسم الأولياء، في مشهد يُعيد إنتاج صراعات الزعامة القبلية لكن بلبوس جمعوي ومؤسسة منتخبة. ضريح الولي الصالح سيدي امحمد البهلول لم يعد مزارًا روحانيًا، بل تحوّل إلى ساحة لتصفية الحسابات بين فرسان السياسة، حيث تنظم مواسم موازية بأموال عمومية، وتُجيَّش الجمعيات من كل صوب، لا لإحياء التراث بل لإظهار الولاء.
وبينما يدوّي البارود في السماء، يخيّم الصمت على السلطة المحلية، التي تغض الطرف عن انزياح العمل الجماعي نحو المزايدات الشعبوية، وتحوّل الفضاء العمومي إلى استعراضات فلكلورية تمتص الميزانية وتزكي منطق الاستقطاب.
ما يجري في رأس العين يعكس مأساة أعمق: مأساة ديمقراطية محلية تائهة، حيث تغيب الرقابة، وتتحوّل الجمعيات من أدوات تنموية إلى أذرع انتخابية ممولة، وحيث يُختزل مفهوم التنمية في عدد الخيول لا عدد التلاميذ داخل المدارس، وفي عدد الطلقات لا في جودة الطرق ولا في تجهيز المراكز الصحية الغائبة.
هذا الواقع يطرح تساؤلات مشروعة: كم موسمًا نحتاج لإثبات الزعامة؟ وكم من دار شباب أو قاعة علاج يمكن بناؤها بتلك الميزانيات التي تُصرف على طلقات تُفرغ في الهواء؟ ومتى تُعاد الكلمة للمواطن بدل تحويله إلى متفرج في كرنفال لا يمثّله ولا يخدم حاجاته؟
إننا لا نقف ضد التبوريدة كتراث ضارب في عمق الهوية المغربية، لكننا نرفض أن تتحول إلى غطاء لهدر المال العمومي وتكريس هيمنة فئوية على الشأن المحلي، في غياب رؤية تنموية أو مساءلة ديمقراطية.
حين تنقشع غيوم البارود عن سماء رأس العين، لا يبقى سوى الغبار، ولا تسمع إلا آهات الساكنة التي تبحث عن الحق في الصحة والتعليم والعيش الكريم، في جماعة استُبدلت فيها الخيول بالمشاريع، والفرجة بالخدمة العمومية، والبندقية بالفكرة.
وفي انتظار يقظة جماعية تعيد الاعتبار للسياسة كأداة لخدمة المواطن، تبقى جماعة رأس العين عنوانًا صارخًا لما يحدث حين يُفرَّغ العمل الجماعي من مضمونه، وتُساق الفروسية إلى حيث لا يليق بها: إلى معارك فارغة لا تنتج سوى مزيد من الفشل