
رسوم التأمين المدرسي بالمغرب: حماية قانونية أم عبء مالي مبالغ فيه؟
مع اقتراب كل موسم دراسي جديد، يتكرر الجدل في أوساط الأسر المغربية حول رسوم التأمين المدرسي التي تفرضها مؤسسات التعليم الخاص، والتي تصل أحيانًا إلى مبالغ تفوق 1000 درهم للتلميذ الواحد. فهل هذه التكاليف مبررة قانونيًا؟ أم أنها تجاوز غير مبرر يثقل كاهل الأسر؟
التأمين المدرسي: ضرورة قانونية لحماية التلميذ والمؤسسة
ينص القانون رقم 06.00 المتعلق بتنظيم التعليم المدرسي الخصوصي على إلزامية تأمين التلاميذ ضد المخاطر التي قد يتعرضون لها داخل المؤسسة أو أثناء الأنشطة الموازية. ويهدف هذا التأمين إلى حماية مزدوجة: من جهة، تغطية المسؤولية المدنية للمؤسسة في حالة وقوع حادث؛ ومن جهة أخرى، ضمان حصول التلميذ المتضرر على التعويض اللازم.
كما يندرج هذا الالتزام في إطار قانون الالتزامات والعقود، وتحديدًا في المواد من 78 إلى 89، التي تنظم العلاقة المدنية في حالة وقوع ضرر لطرف ثالث.
أدوار الرقابة: هيئة التأمينات تتدخل
تخضع عقود التأمين المبرمة من طرف المدارس لمراقبة هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS)، التي تسهر على ضمان وضوح الشروط وحماية حقوق المستفيدين، بما في ذلك الأسر. وتؤكد الهيئة على أحقية أولياء الأمور في الاطلاع على تفاصيل التغطية التأمينية، بما فيها المبلغ المؤدى والخدمات المشمولة.
1000 درهم للتأمين؟ مبالغ غير مبررة حسب المعطيات الرسمية
رغم وضوح الإطار القانوني، فإن الواقع يكشف تفاوتات صارخة في الرسوم المفروضة، إذ تُطالب بعض المدارس الخاصة الأسر بمبالغ تتراوح بين 1000 و2500 درهم سنويًا تحت مسمى “تأمين مدرسي”، وهي أرقام تفوق بكثير ما هو معمول به في سوق التأمينات.
تشير المعطيات التي حصلت عليها الجريدة من مهنيين في القطاع، إلى أن القسط الحقيقي للتأمين المدرسي يتراوح بين 14 و200 درهم سنويًا، حسب التغطيات المختارة وعدد التلاميذ المؤمن عليهم. بل إن بعض التقارير الرسمية تؤكد أن الوزارة سبق أن حددت المبلغ المرجعي في 50 درهم فقط.
تحايل محاسباتي: رسوم التأمين تغلف مصاريف أخرى
عدد من أولياء الأمور يشتكون من غياب الشفافية في تحديد الرسوم، حيث تعمد بعض المدارس إلى دمج التأمين مع رسوم التسجيل أو خدمات إضافية مثل “الإسعاف المدرسي”، دون تقديم توضيحات مفصلة أو فواتير تفصيلية. هذا السلوك يُعتبر، بحسب خبراء قانونيين، تحايلاً يفتقر للمشروعية، ويستوجب تدخلًا صارمًا من السلطات الوصية.
ماذا يمكن للأسر أن تفعل؟ توصيات عملية
لحماية حقوقهم، يُنصح أولياء الأمور بـ:
طلب نسخة من عقد التأمين أو شهادة التأمين، والتي توضح بوضوح طبيعة التغطية والمبلغ المؤدى.
التحقق من الفاتورة النهائية والتأكد من تفصيل مكونات الرسوم (تسجيل، تأمين، خدمات إضافية).
مراسلة هيئة التأمينات (ACAPS) في حالة وجود تجاوزات أو غموض في العقود.
مطالبة المدرسة بتقديم عروض تأمين بديلة أو تمكينهم من تأمين أبنائهم بشكل مستقل.
التأمين حق وليس سلعة
التأمين المدرسي ليس ترفًا، بل إجراء وقائي تفرضه القوانين لحماية التلميذ والمدرسة. لكن ما يحدث في بعض المؤسسات الخاصة يحوّله إلى عبء تجاري يفتقر للشفافية والمشروعية. وفي ظل غياب رقابة حازمة ووعي كافٍ من الأسر، يظل التلميذ هو الحلقة الأضعف في معادلة غير متوازنة.
الرهان اليوم هو على تطبيق صارم للقانون، وعلى يقظة أولياء الأمور في المطالبة بحقوقهم والحرص على شفافية العقود التي تخص أبناءهم.