لهيب الأسعار يلتهم الدخول المدرسي.. موسم التعليم يتحول إلى موسم الاستنزاف

لم يعد الدخول المدرسي في المغرب حدثًا تربويًا يُستقبل بالأمل، بل أضحى موعدًا سنويًا لقلق جماعي يتقاسمه ملايين الأسر التي تصطدم بواقع أسعار ملتهبة للكتب واللوازم، ومصاريف تثقل كاهلها بعد صيف مرهق مادياً. في ظل غياب الضبط، وتهاون الجهات المسؤولة، تحوّل حلم العودة إلى المقاعد الدراسية إلى عبء اقتصادي يُهدد الحق في التعليم.

القرطاسية بسعر الذهب.. والفاتورة تتضاعف

أسعار الكتب المدرسية واللوازم ارتفعت بشكل ملحوظ، في بعض الحالات بنسبة تفوق 40% مقارنة بالعام الماضي، وفق تصريحات مهنيين في قطاع الوراقة. دفتر من نوعية عادية كان يُباع بـ6 دراهم، أصبح بـ10 دراهم. حقيبة مدرسية بـ150 درهم تجاوزت 300 درهم. والأدهى، أن كُتبًا مقررة رسميًا أصبحت تُباع بأثمان تتجاوز القدرة الشرائية لأسر كثيرة.

ما كان يُفترض أن يكون تجهيزًا مدرسياً عادياً لأطفال في الابتدائي، بات يكلف بعض الأسر ما بين 800 إلى 1500 درهم للطفل الواحد، دون احتساب رسوم التسجيل أو التأمين أو الزي المدرسي. أما الأسر ذات الدخل المحدود، فأمامها خياران: الاستدانة أو تقليص أحلام الأبناء.

من المسؤول عن الانفلات؟

في ظل هذا الارتفاع الجنوني، تغيب آليات المراقبة الصارمة لأسعار اللوازم والكتب. وتُرك المجال مفتوحًا أمام المضاربين والوسطاء، الذين وجدوا في موسم الدخول المدرسي فرصة لتضخيم أرباحهم على حساب معاناة الناس.

والمقلق أن الحكومة، بصمتها الطويل، لم تعد فقط غائبة، بل متواطئة بصمتها، فلا تدخل فعلي لحماية السوق، ولا إجراءات ملموسة لدعم الأسر، ولا حتى برامج فعّالة لتوفير اللوازم بأسعار معقولة عبر مؤسسات الدولة.

المبادرات التي تطلقها وزارة التربية الوطنية، كدعم التمدرس أو توفير المحافظ في بعض القرى، تظل محدودة النطاق، ولا تُغني عن سياسة وطنية شاملة تضمن ولوجًا عادلاً ومنصفًا للتعليم.

شعارات “تكافؤ الفرص” على المحك

كيف يمكن الحديث عن “المدرسة العمومية” و”تكافؤ الفرص”، والآباء عاجزون عن شراء كراسٍ وأقلام لأبنائهم؟ كيف يُطلب من التلميذ التركيز على دراسته، وهو يشعر أن أسرته تواجه ضائقة فقط لأنه يريد أن يتعلم؟

الحق في التعليم حق دستوري، لكنه في الواقع يُمارس بشروط طبقية واضحة، حيث الفقير يؤجل الدخول المدرسي، ويُجبر على إعادة استعمال دفاتر قديمة، بينما يستفيد الميسور من تعليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *