
تفويت قطاع الصحة للشركات… جدل بين الإصلاح وتهديد الحق في العلاج
بقلم سعيد بيار://
يُطرح في الآونة الأخيرة موضوع تفويت بعض خدمات قطاع الصحة للشركات الخاصة كأحد الحلول المقترحة لتجاوز أعطاب المنظومة الصحية الوطنية. وبينما يروج المدافعون عن هذا التوجه لفكرة أنه سيُسهم في تجويد الخدمات وتخفيف العبء عن ميزانية الدولة، يرى منتقدوه أن الأمر لا يعدو أن يكون مدخلاً لخوصصة تدريجية تُحول الحق في الصحة إلى سلعة خاضعة لمنطق العرض والطلب.
تشير تقارير رسمية إلى أن المغرب يعاني خصاصاً كبيراً في الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء 23 ألف طبيب فقط، أي بمعدل أقل من طبيب واحد لكل 1000 مواطن، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بمعدل ثلاثة أطباء على الأقل. أما البنيات التحتية، فغالباً ما تعاني من ضعف التجهيزات والاكتظاظ، خصوصاً في المستشفيات العمومية.
هذا الواقع يجعل ملايين المواطنين، خاصة في القرى والمناطق النائية، يجدون صعوبة في الولوج إلى خدمات صحية لائقة، ما يطرح الحاجة الملحة لإصلاح شامل
أنصار تفويت الخدمات الصحية يرون أن دخول الشركات الخاصة سيوفر استثمارات إضافية ويُحسن جودة التدبير. لكن في المقابل، يخشى معارضو هذا التوجه من تغليب منطق الربح على منطق الخدمة العمومية، مما قد يؤدي إلى إقصاء الفئات الهشة والفقيرة من الاستفادة من الرعاية الصحية.
فالمرضى قد يتحولون من “مواطنين لهم حقوق” إلى “زبائن” يُقيَّم علاجهم وفق قدرتهم على الدفع، وهو ما يتنافى مع الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص على حق المواطنين في الحصول على العلاج والرعاية الصحية.
التجارب السابقة في خوصصة قطاعات حيوية مثل الماء والكهرباء أبانت عن محدودية هذا التوجه، حيث ارتفعت الأسعار وتراجعت الثقة لدى المواطنين في نجاعة هذه السياسات. وهو ما يدفع إلى التساؤل: هل يمكن أن يُكتب النجاح لخوصصة قطاع حيوي كالصحة، علماً أن الأمر يتعلق بحياة المواطنين وكرامتهم؟
لا أحد ينكر أن المنظومة الصحية في حاجة ماسة إلى إصلاح جذري يشمل تمويلات إضافية، وتكوين أطر كافية، وتطوير التجهيزات الطبية. لكن الإصلاح لا يعني بالضرورة تسليم القطاع للشركات الخاصةوتحفيز الكفاءات الطبية على الاستقرار داخل البلاد.وكدا
تعزيز الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبةتم
ضمان عدالة مجالية في توزيع الخدمات.
يبقى السؤال الجوهري مطروحاً: هل نريد نظاماً صحياً قائماً على الحق والعدالة الاجتماعية، أم نظاماً يضع صحة المواطن في خانة الاستثمار التجاري؟
الصحة ليست مجرد خدمة، بل حق إنساني أصيل، وأي إصلاح لا ينطلق من هذا المبدأ مآله الفشل وفقدان الثقة بين المواطن والدولة.