
سوق حد السوالم بين ضرورات التنظيم الحضري وضمان استدامة مصالح الساكنة المحلية
يوسف عبو ://
يُعدّ السوق الأسبوعي بمدينة حد السوالم أحد أبرز الفضاءات الاقتصادية والاجتماعية التي طبعت هوية المدينة والمناطق المجاورة لها لعقود. إذ لا يُمثّل هذا السوق مجرد نقطة لتصريف السلع والمنتجات الفلاحية، بل يُجسّد فضاءً نابضًا بالحياة، تتقاطع فيه مصالح الفلاحين والتجار والساكنة المحلية، وتترسخ داخله علاقات اجتماعية وثقافية عميقة.
غير أن قرار المجلس الجماعي خلال دورة أكتوبر الأخيرة، والقاضي بنقل السوق من موقعه الحالي إلى منطقة فجر النصر بطريق سيدي رحال، فتح الباب أمام نقاش واسع بين من يعتبر الخطوة تحولًا حضريًا ضروريًا، ومن يراها تهديدًا مباشرًا لمصدر عيش المئات من الأسر ومُحوا تدريجيًا لمعالم الذاكرة الجماعية.
تاريخيًا، شكّل سوق حد السوالم فضاءً حيويًا يساهم بشكل مباشر في دوران العجلة الاقتصادية للمدينة، وخاصة بالنسبة للفلاحين الصغار والباعة المتجولين. هؤلاء لا يمتلكون بدائل تجارية منظمة، ويعتمدون بشكل أساسي على السوق لتصريف منتجاتهم، وضمان دخل أسبوعي يساعدهم على تغطية احتياجاتهم اليومية.
لكن الوظيفة الاقتصادية للسوق لا تختزل كل أبعاده؛ إذ يُعدّ كذلك مركزًا اجتماعيًا يلتقي فيه السكان من مختلف الشرائح، ويتبادلون فيه أخبارهم وشواغلهم، كما يتبادلون السلع. هو فضاء تضامن وتفاعل إنساني، وليس مجرد سوق تقليدي.
في المقابل، يرى المجلس الجماعي أن قرار النقل يندرج ضمن رؤية تنموية ترمي إلى إعادة تنظيم النسيج الحضري، وتحسين جمالية المدينة، والتقليص من الاختناق المروري والفوضى العارمة التي يشهدها محيط السوق الحالي، خاصة يوم الأحد، حيث تُشل حركة السير وتنعدم شروط السلامة والنظافة.
ووفقًا للمجلس، فإن السوق الجديد الذي سيقام بمنطقة فجر النصر سيكون سوقًا يوميًا منظمًا، مجهزًا بالبنيات التحتية والمرافق الضرورية التي تحفظ كرامة التاجر والمستهلك، وتضع حدًا للاحتلال العشوائي للأرصفة والشوارع.
لكن رغم وجاهة هذه الأهداف، يظل السؤال مطروحًا: هل تم إعداد تصور شامل يراعي البُعد الاجتماعي والإنساني لهذا القرار؟ وهل وُضعت ضمانات فعلية لحماية الفئات الهشة التي قد تجد نفسها مبعدة عن المشهد التجاري بفعل التكاليف الجديدة أو بُعد السوق الجديد؟
التحولات الحضرية، في المدن الناشئة كالسوالم، تقتضي بالضرورة مشاريع تأهيل وتنظيم عمراني، لكن نجاح هذه المشاريع يظل مشروطًا باعتماد مقاربة شمولية وتشاركية، تستحضر خصوصيات السكان وتضمن عدم الإضرار بمصالحهم الحيوية.
فالتنمية الحضرية لا تُقاس فقط بالخرائط المعمارية ولا بعلو البنايات، بل بقدرتها على خلق التوازن بين الحداثة واحترام السياق الاجتماعي والثقافي المحلي. نقل السوق، دون توفير بدائل عملية ومنصفة، قد يُفاقم من معدلات الهشاشة، ويدفع العشرات من الباعة إلى عدم الاستقرار، ويعمّق الإحساس بالإقصاء في صفوف فئات اجتماعية تعاني أصلاً من التهميش.
إن مشروع نقل السوق الأسبوعي إلى منطقة فجر النصر، ورغم ما يحمله من نوايا حسنة لتأهيل المدينة، يفرض على السلطات المحلية والجماعة الترابية إعادة النظر في آليات تنزيله، من خلال فتح حوار مباشر مع التجار والفلاحين وممثلي المجتمع المدني، وضمان تمثيلية واسعة للمواطنين في صنع القرار.
فلا تنمية ممكنة بدون الإنصات إلى صوت الساكنة، ولا تنظيم حضري ناجح إذا كان ثمنه هو تهميش الإنسان وطمس ملامح الذاكرة الجماعية. المطلوب اليوم ليس فقط إخلاء موقع وبناء آخر، بل بناء ثقة، وتوفير حلول عادلة، وفتح مسار تنمية حضرية شاملة تراعي كرامة المواطن وتضمن العدالة الاجتماعية.
يبقى سوق حد السوالم، بكل ما يمثله من أبعاد اقتصادية وثقافية واجتماعية، ملفًا معقدًا يحتاج إلى تدبير عقلاني وإنساني. وبين رهانات التنظيم الحضري ومصالح الساكنة، يكمن التحدي الحقيقي في تحقيق معادلة الإنصاف الحضري، حيث لا تُقصى الذاكرة، ولا يُهمَّش الإنسان، في سبيل عمران قد لا يخدم سوى واجهة المدينة.