أخبار وطنية

زمن كورونا والحجر الصحي

كورونا، هذا الضيف الثقيل الظل الذي جثم على صدر العالم، فخلف و مازال آلاما و مآسي لمن في الأرض جميعا، و جعل العالم يضع مراتب للدول ليس بمعيار قوتها أو اقتصادها و إنما عدد وفياتها اليومي حيث نرجو أن تحتل بلادنا المرتبة الأخيرة كما عهدناها في أمور أخرى، و لأول مرة أصبح البقاء في المنزل و النوم و مشاهدة التلفاز واجب وطني.
المؤكد أن الوباء سيختفي و سيكون مجرد أثر نتذكره مرة و نتناساه مرات، سنمضي كما الكائنات من حولنا في روتين حياتنا البائسة على كوكب الأرض متحمسين لوجودنا الداني. فكما مررنا عبر تاريخ وجودنا بآفات و مصائب أكبر من كورونا بكثير و حتى أشد فتكا و تعقيدا فسنمر من هذه بإذن الله، و لا بد أن العديد منا أعاد حساباته و استبدل الشك باليقين أنا لا ندري ماذا يخبؤ لنا الغد و هل سنقبل عشية مدبرين إن أصبحنا ؟ جاءنا هذا الوباء من ربنا بخبر يقين، أنه مهما كانت حصوننا آمنة و مهما استقوينا و استعلينا فحتما نبقى ضعفاء أمام تدبير رب البشر إذ ” لَا يَعلمُ جنُودَ ربِّكَ إلَّا هوٌ ” ، فمن كان يظن أن كائنا مجهريا سيستنفر أعتى الجيوش و لتنتشر له في المدن بكامل عديدها و عتادها و ما كان لها إلا أن تقف متفرجة خائبة خانعة.
أمام هذا الزخم من التخبط و عدم اليقين، قد يكون في وضعنا الحالي عبرة في الأيام المدبرات. ربما نعيد ترتيب أوليوياتنا و ربما جعل الله لنا فرحا بعد حزن و ربما نخرج أقوى إيمانا و احتسابا، فنحن لا ندري أشر أريد بنا أم أراد الله من ورائه خير. ربما أعدنا توجيه بوصلة اهتمامنا، بعدما علمنا أن كل الشخصيات التافهة التي كنا نتابعها و نصفق لها على مواقع التواصل الإجتماعي، كلها اختفت فجأة، لم تحمل لنا و لا رائحة قيمة مضافة سوى تضييع و قتنا و ملئ فراغات أدمغتنا بالتفاهات و القيم المنحطة الدنيئة. إختفى أصحاب الطرب و “الشطيح و الرديح” و اختفت بطلات مسلسلات “روتيني اليومي “. فمثل هذا الصنف لم يكن له أن يستمر في حماقاته و تفاهاته و رعونته لولا دعمنا من خلال اهتمامنا و متابعتنا، لكننا في عز محنتنا لم نجد إلا الأطباء و الممرضين و رجال الأمن و عناصر الوقاية المدنية و عمال النظافة و الفلاحين و السائقين …. فاهتمامنا بالفئة التافهة هو من جعلها تضع الأوسمة على صدورها كتكريم لها مقابل دس السموم في قيم و مبادئ المغاربة و تفتيت نسيجهم الإجتماعي.
المؤكد أن المغاربة سيعيدون حساباتهم و تحديد أولوياتهم بعد الجائحة كما هو مؤكد الآن أنهم بمختلف أطيافهم و مناصبهم و حسبهم و نسبهم وقفوا و قفة رجل واحد لأنهم فطنوا إلى مسلمة أن كورونا كائن عادل لا يفرق بين أحد منهم، فيصيب المواطن و الوزير و الغني و الفقير، فكان لزاما علينا أن نتحد بجميع أطيافنا ضد هذا العدو المشترك و نؤجل خلافاتنا و أحقادنا و تحفظاتنا إلى بعد حين. نؤجل هرطقاتنا التي تنتقذ كل شيء و نعلم أن الأمر ليس بمزحة و أن الجميع في نفس السفينة، إن غرقت فلن يجد أحد شيئا يأوي إليه يعصمه من مصيرها.
ربما نجتاز الوضع و نخرج أقوى مما كنا عليه، تماسكا و ترابطا و تضامنا بيننا، نحن أبناء الوطن الواحد، نترك خلفنا الأنانية و حب الذات. الأكيد أن هذا الوضع سينتج عنه ارتدادات اقتصادية و اجتماعية قوية و المؤكد أن العديد من الدراويش الذين لا يسألون الناس إلحافا متربصين في بيوتهم يتحسسون طرقة على بابهم لربما جائتهم البشرى ممن يبتغون فضل الله و ممن لانت قلوبهم اتجاه إخوانهم. فابحثوا عن هؤلاء و لا تتناسوهم !!
رزقنا الله و إياكم قلوبا رحيمة بالأكباد الرطبة من كائنات لا تستطيع ضربا في الأرض و أغدق علينا و إياكم من فضله و عفوه و عافيته.

ذات صلة

اعادة فتح المساجد المغلقة : بلاغ من وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية

يوسف عبو

تجربة ألية التصويت الالكتروني عن بعد بمجلس المستشارين

Said

عمالة مقاطعة عين الشق تخلد ذكرى ثورة الملك والشعب بكرنفال يكرم الثقافة و الهوية الوطنية المغربية

يوسف عبو
error: Content is protected !!